كيف تحوّلت ترجمة من مكتب في المنزل إلى واحدة من كبريات شركات الترجمة في المنطقة

نور الحسن 2023-01-30

نور الحسن

2023-01-30

نور الحسن 30 يناير 2023

نور الحسن

30 يناير 2023

أسست نور الحسن شركة "ترجمة"، التي تدعم الترجمة من وإلى أكثر من 55 لغة بعد أن وجدت نقصاً هائلًا في السوق فيما يتعلق بتوفير خدمات ترجمة احترافية لمؤسسات الأعمال في الأردن بشكل خاص والشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل عام. ولم يقتصر هدفها على أن تكون ترجمة رائدة في القطاع فحسب، بل المبادرة بتبني واستخدام تقنيات جديدة من شأنها عمل تأثير كبير في قطاع الترجمة في المنطقة.

كان بناء محرك الترجمة الآلية العصبية (Arabic MT) مهمة شاقة على اللغويين والمطورين على حد سواء، وذلك مرة أخرى بسبب التعقيد الذي تتسم به اللغة العربية؛ إذ يتجاوز عدد كلمات اللغة العربية 12 مليون كلمة وهو ما يعادل 25 ضعفًا من عدد كلمات الإنجليزية البالغة 600 ألف كلمة، ولكل منهما مجموعة واسعة من الاختلافات اللغوية، وهو ما يجعل الترجمة من إحداهما إلى الأخرى أمرًا مرهقًا نوعًا ما. غير أن مهندسينا نجحوا في بناء محرك يقدم ترجمة ذات جودة عالية باستخدام أحدث تقنيات الترجمة الآلية العصبية.

يتفاجأ معظم الناس حينما أخبرهم أنني درست المحاماة، وينابتهم الفضول حيال اختياري مجالاً مختلفًا كليًا عن تخصصي الجامعي بدلاً من تأسيس شركة محاماة أديرها بنفسي، فيطرحون عليَّ سؤالاً واحدًا كلما أطلعهم على هذه المعلومة: "لماذا اخترتِ قطاع الترجمة؟" وهو سؤال وجيه بالفعل؛ إلا أنني أُبرّر هذا التحوّل بإجابة سهلة وواضحة دائمًا، وهي أنني لاحظت حاجةً ماسة لخدمة معينة في السوق فارتأيت أن أبادر في تلبيتها، وهو النهج الذي يتّبعه أغلب أصحاب الشركات الناجحين.



البدايات

بدأتُ مسيرتي المهنية بالعمل استشاريةً في إحدى المؤسسات متعددة الجنسيات، حيث قضيت معظم وقتي في العمل على المستندات الورقية، بما في ذلك إبرام العقود وصياغة التقارير والاتفاقيات التي كانت غالبيتها مكتوبة باللغة الإنجليزية، وكان العمل في الأردن يستدعي تعيين طرف خارجي لترجمتها إلى العربية، الأمر الذي خلق مجموعة جديدة من التحديّات؛ فإن سبق لك العمل في مجال الاستشارات ستدرك بكل تأكيد وتيرته المتسارعة، لكن إضافة خدمات الترجمة ضمن عملياتنا شكَّل عائقًا أمام إنجازنا للمهام بالوتيرة المطلوبة.


في عام 2008، لم تكن خدمات الترجمة على القدر ذاته من التطوّر الذي تمتاز به اليوم؛ إذ ما عليك الآن سوى تسجيل الدخول منصة الترجمة الآلية العصبية Arabic MT (المملوك لشركة "ترجمة") لتحصل على ترجمة دقيقة لمستندك في ثوانٍ معدودة. غير أن ترجمة مستند واحد فقط كانت عملية تستغرق وقتًا طويلاً آنذاك، نظرًا لمدى صعوبة الموضوع والطابع المتطلِّب للغة العربية وعدد المستندات الكبير التي نحتاج ترجمتها. وفي ظل محدودية الخيارات المتاحة أمامنا حينئذٍ، كان علينا التعامل باستمرار مع ترجمة ذات جودة متدنية وتأخير متكرّر في تسليمها. وقد دفعني استيائي من مستوى الخدمات اللغوية المتاحة في السوق إلى اتخاذ خطوة جريئة لكن محسوبة في الوقت نفسه للتعامل شخصيًا مع هذا النقص في الخدمات اللغوية النوعية.


من هذا المنطلق، شرعت بتأسيس شركة من شأنها توفير خدمات ترجمة احترافية لمؤسسات الأعمال في الأردن ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل. ولم يقتصر هدفنا على ريادة قطاع الترجمة فحسب، بل المبادرة في اعتماد تقنيات جديدة من شأنها تحسين القيمة التي نقدّمها لعملائنا.


أنشأتُ مكتبًا في منزلي وبدأتُ التعامل مع العملاء على الفور. وبمساعدة مجموعة قليلة من الموظفات، بدأنا استلام طلبات الترجمة بعد مدة وجيزة لأن الطلب على خدمات الترجمة في الأردن كان كبيرًا في ذلك الوقت. ومع أننا لم نملك فريقًا كبيرًا، فقد كرّسنا كل جهودنا وشغفنا تجاه عملنا، وسرعان ما بدأنا نتعامل مع عدد كبير من العملاء المهمين.


رحلة التوسع

لم تتولّد الفجوة في سوق الترجمة باللغة العربية بمحض الصدفة، بل بسبب طبيعة اللغة العربية التي تعدّ من أكثر اللغات تعقيدًا في يومنا هذا، ويتحدث بها ما يزيد على 420 مليون شخص في 22 دولة حول العالم. ونظرًا لاستخدامها الواسع، نصادف عددًا كبيرًا من اللهجات المحلية المنبثقة عنها في دولة واحدة فقط، وقد تستدعي الحاجة مراحل عدة من توطين المحتوى للتواصل مع الجمهور المستهدف بصورة أكثر فاعلية. وذلك هو السبب وراء ابتعاد الكثير من الشركات المعنية باللغات عنها، وبدورنا واجهنا تحديًا هائلاً عندما قررنا خوض غمار الترجمة إلى اللغة العربية.


كانت انطلاقتنا الأولى في السوق مرهونةً بتشكيل فريق من خبراء اللغة، فتعين علينا البحث في مختلف الدول عن أصحاب الخبرات الواسعة. غير أن تشكيل فريق على هذا المستوى من الكفاءة تطلّب منا جهدًا كبيرًا. كما لاحظنا خلال مرحلة اختيار الفريق مدى الحاجة للمترجمين من أصحاب الخبرات في السوق، فأنشأنا منصة Ureed.com، وهو سوق للمستقلين يضم أكثر من 55 ألف خبير في 125 قطاعًا، وتمكّنا عبر هذه المنصة من استقطاب أفضل الكفاءات في مجال اللغة عند الطلب فنستفيد من قدراتهم في "ترجمة".


وبعد مرور بضع سنوات من إدارة أعمالنا بمفردنا، قررنا استقطاب المستثمرين إلى الشركة. وكما هو متعارف عليه بين أصحاب الشركات الناشئة، فإنه ليس من السهل إقناع المستثمرين بضخ استثماراتهم في شركتك الناشئة. في ذلك الوقت، كنا لا نزال فريقًا صغيرًا (معظمه من النساء) منتشرًا في جميع أنحاء العالم ويسعى وراء تحقيق ما عجزت عنه الشركات الكبرى. وكان من الصعب على معظم المستثمرين الإيمان بقدرتنا على إنجاز ما كنا نزعم به نظرًا لصغر حجم فريقنا حينها. إلا أن النتائج الرائعة التي حققناها رغم قلة مواردنا آنذاك ساهمت في إقناع كثيرٍ من المستثمرين الأوائل بأن ما كنا نسعى وراء تحقيقه لم يكن أبدًا حلمًا بعيد المنال.


ومنذ ذلك الحين، نجحنا في الحصول على عدة جولات استثمارية ساهمت في إثراء قاعدة اللغات لدينا وتطوير منتجات جديدة ودخول مزيدٍ من الأسواق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومع كل تقدم نحرزه في مجال اللغة، يزيد تقديرنا لدور المستثمرين الذين كرّسوا وقتهم وأموالهم في سبيل نمو "ترجمة".


بعد 15 عامًا تقريبًا، تطوّرت "ترجمة" وأصبحت مؤسسة ناجحة، وبات لدينا فريق من المترجمين التحريريين والفوريين المهرة ممن يلبون احتياجات عملائنا عبر مجموعة كبيرة من القطاعات، بدايةً من التكنولوجيا والتصنيع وحتى الرعاية الصحية والشؤون المالية. وقد اكتسبنا سمعتنا الحسنة بفضل تقديم خدمات عالية الجودة تفوق توقعات عملائنا. لقد كانت حقًا رحلةً مثيرة، وينتابني الآن الشعور بالفخر والاعتزاز بنجاحي في تأسيس شركة مزدهرة تُحدِثُ فارقًا حقيقيًا في المجتمع.


ارتقت شركة "ترجمة" بكل جدارة لتكون ضمن مصاف نخبة مقدمي الخدمات اللغوية في المنطقة بفضل دعمنا المتفاني لعملائنا والتزامنا المطلق بتقديم أعلى مستوى من الجودة. كما نجحنا مؤخرًا في الاستحواذ على شركة "سكرينز" (Screens)، وهي أكبر شركة للترجمة المرئية والمسموعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لندخل قطاع الترفيه من أوسع أبوابه.


سر تميز ترجمة

نظرًا للنمو الذي شهدته شركة "ترجمة" على مدار السنوات القليلة الماضية بقدرتها على خدمة عددٍ أكبر من العملاء وتلبية الجداول الزمنية المتطلبة وأحجام النصوص الهائلة، اهتدينا إلى فكرة بناء محرك الترجمة الآلية الخاص بنا، خصوصًا أن محرك الترجمة الأكثر استخدامًا في وقتها، وهو محرك ترجمة عام ومجاني، كان مستواه ضعيفًا من حيث الجودة وسهولة الاستخدام.


كان بناء محرك الترجمة الآلية العصبية (Arabic MT) مهمة شاقة على اللغويين والمطورين على حد سواء، وذلك مرة أخرى بسبب التعقيد الذي تتسم به اللغة العربية؛ إذ يتجاوز عدد كلمات اللغة العربية 12 مليون كلمة وهو ما يعادل 25 ضعفًا من عدد كلمات الإنجليزية البالغة 600 ألف كلمة، ولكل منهما مجموعة واسعة من الاختلافات اللغوية، وهو ما يجعل الترجمة من إحداهما إلى الأخرى أمرًا مرهقًا نوعًا ما. غير أن مهندسينا نجحوا في بناء محرك يقدم ترجمة ذات جودة عالية باستخدام أحدث تقنيات الترجمة الآلية العصبية.


استخدمنا على مدار خمس سنوات محرك الترجمة الآلية داخل الشركة بهدف زيادة إنتاجية المترجمين لدينا، مع اختباره وتنقيحه للتأكد من تلبيته لأعلى معايير الجودة. ولم نطلقه للاستخدام العام إلا بعد أن تأكدنا من قدرة عملائنا على استخدامه لإنجاز مهام عملهم بشكلٍ مستقل. فقد صممنا هذا المحرك خصيصًا لخدمة الشركات التي تتطلع إلى استقطاب الفئات الناطقة بالعربية. ومنذ إصداره، يواصل محرك الترجمة الآلية العصبية (Arabic MT) تفوقه على المحركات الأخرى في الترجمة باللغة العربية للشركات. وفي العام الماضي، بَرَزَ اسم "ترجمة" في دليل السوق الصادر عن "جارتنر" (Gartner) فيما يتعلق بخدمات الترجمة المتقدمة القائمة على الذكاء الاصطناعي إلى جانب جوجل.



لا تخشَ من التغريد خارج السرب واكتشاف طرق جديدة لخدمة عملائك، اعتبر تفرّدك بمثابة قوتك الخارقة فلا تتردّد باستخدامها. من الدروس الأساسية التي تعلمتها أيضًا أن اللغة والتكنولوجيا وجهان لعملة واحدة، فكلما أسرعت في تبني تقنيات جديدة زاد اهتمام عملائك بالتعامل معك.

كلمة أخيرة...

إن كانت هنالك من نصيحة أسديها لكل شخص يتطلع إلى دخول مجال الترجمة باللغة العربية فهي أن هناك طرق مختلفة لتحقيق النجاح. بالنسبة لشركة "ترجمة"، لم يكن نجاحها سريعًا أو حدث بين عشية وضحاها، بل استغرقنا أكثر من عقد من الزمن للوصول إلى ما نحن عليه اليوم، لذا تمسّك بحلمك وصمّم على تحقيقه.

لا تخشَ كذلك من التغريد خارج السرب واكتشاف طرق جديدة لخدمة عملائك؛ اعتبر تفرّدك بمثابة قوتك الخارقة فلا تتردّد باستخدامها. من الدروس الأساسية التي تعلمتها أيضًا أن اللغة والتكنولوجيا وجهان لعملة واحدة، فكلما أسرعت في تبني تقنيات جديدة زاد اهتمام عملائك بالتعامل معك.

أخيرًا، عليك أن تدرك أنك لن تستطيع السيطرة على بعض الجوانب المتعلقة بمشاريعك الريادية، وستصادف مجموعة من الإحباطات والعثرات في طريقك، لكنك بالالتزام واختيار الحلفاء المناسبين، ستشق درب النجاح في نهاية المطاف.

نور الحسن

المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة ترجمة

يلمع اسم "نور الحسن" في قطاع خدمات وتقنيات الترجمة وتوطين المحتوى، فهي المؤسِسة والرئيسة التنفيذية لشركة "ترجمة" التي تقدم الخدمات اللغوية المتطورة والقائمة على التقنيات المتقدمة بأكثر من 55 لغة. كما أنها المؤسِسة ورئيسة مجلس الإدارة في منصة "أريد" الرقمية التي توفر فرص العمل المستقل لأكثر من 55,000 شخص من الكفاءات المتميزة.